خواطر

هل الإنسان خير بطبيعته أم هو شر بطبيعته؟، سؤال عمره يناهز عمر الإنسان نفسه، ويناهز أيضا الحياة التي قطعها الإنسان من الغابة إلى القرية، ثم إلى المدينة، ومن السير على الأقدام وركوب الحيوانات الأليفة إلى ركوب السيارات والطائرات، ومن القتال بالحجارة إلى القتال بالدبابات والصواريخ، وفي الأديان السماوية ما يثبت أن الانسان خير بطبيعته، وأنه ينشأ على الفطرة، وأن البيئة والعائلة والمواصفات الاجتماعية هي التي تحافظ على الفطرة النقية أو تدمرها. ومنذ طفولة الإنسان وحتى شيخوخته وهو يخضع في أعماقه لصراع لا هوادة فيه بين الخير والشر، وإذا كان هناك من يعتقد أن الغلبة تكون دائما للخير، فإن هناك أيضا من يعتقد أن الغلبة لا تكون إلا للشر، ويصعب في جميع الأحوال التوفيق بين الفريقين نظراً لأزلية الصراع بين الخير والشر، بين النور والظلمات، بين الأخيار والأشرار منذ هابيل وقابيل.
ساورتني هذه التأملات أثناء تفكيري في أحوالنا نحن في هذا البلد الطيب المأزوم، وما يحدث له ويحدث في بقية الأقطار العربية التي باتت كلها دون استثناء تعاني من أزمات بعضها ظاهر ومثار وبعضها الآخر مكتوم ويتفاعل في الخفاء، والمهم ما كشفت عنه هذه الأحداث المتلاحقة من نفوس مجبولة على الخير والأخرى مجبولة على الشر وما أكدته من خلال نماذج بعينها مدفوعة بغريزتها الشريرة، وعلى أن بعض الناس وليس كلهم أشرار بفعل سلوكهم، وأنهم فقدوا كل صلة لهم بالبشر فصاروا على استعداد لكي يعترضوا كل شيء جميل في الحياة وتمزيق كل الروابط النبيلة التي تجمع بين أبناء الوطن الواحد لتحقيق مآرب شخصية ما أسرع ما يتبين بؤسها وتفاهة معانيها.
وبالمقابل فقد أفرزت الأحداث نماذج متفائلة تؤمن بضرورة خروج الشر إلى حيز الوجود ليدرك الناس أولا قيمة الخير، ثم لكي يدركوا ثانيا أهمية مقاومته، وليتذكروا أن أشد المعارك التي دارت على هذه الأرض منذ العصور القديمة وحتى الآن كانت بين قوم يمثلون الخير وقوم يمثلون الشر.
ووسط هذه المعارك الطاحنة، يعيش الناس أطرافا من حياتهم وأحيانا كل حياتهم وفي مناخ هذه المعارك يفقد الأخيار فيها أصدق الرجال ويفقد الأشرار أسوأ الرجال، وتبرز على السطح قلوب مفعمة بالمحبة والخير، وقلوب أخرى مفعمة بالحقد والشر. وإذا كان العلماء قد نجحوا في إيجاد علاجات ولقاحات بالغة الاهمية في التصدي لكثير من الامراض القاتلة فإنهم يقفون عاجزين عن اكتشاف علاج أو لقاح مضاد للشر الذي يفتك بالنفس الانسانية وبشكل أسوأ وأخطر مما تفعله أخطر الأمراض والأوبئة.
لقد حاول الأنبياء، وحاول المصلحون عبر العصور زرع الخير في قلوب الناس، وتصدوا بجسارة لمواجهة الشر لكنهم لم يحققوا النجاح المطلوب. أو أنهم بعد أن نجحوا في تحقيقه عاد الشر من جديد ليستولي على مشاعر البعض متحديا تعاليم الخير والمحبة، فكان الحقد وكانت الحروب، وكانت الدماء التي تراق يوميا دون توقف، وبالرغم من أن هناك ما يشبه الإجماع بين سائر البشر على ان الأخيار هم الكثرة والأشرار قلة، إلا أن كثرة الاخيار تبدو سلبية وغير واعية لما تمتلكه من قوة في حين ان الأقلية الشريرة تملك الجرأة الكافية وعلى فرض ما ترغب فيه مستفيدة من تراخي الأكثرية وعدم تضامنها ومن وقوف ما صار يسمى بالأغلبية الصامتة موقف المتفرج، وكأن ما يحدث لا يعنيها في حين أنها المعنية وهي التي تقدم الضحايا الأبرياء وتتحمل المعاناة الأقسى.
وما من شك في أن تضامن الأغلبية الصامتة مع الأقلية الخيرة كفيل بأن يحاصر الشر ويمنعه من السيطرة وإحاطة وجوده بقوة تمكنه من مواصلة ارتكاب شروره ليس على مستوى الأقطار الصغيرة وإنما على مستوى العالم الذي بات عرضة لسيطرة الشر الأعظم والخضوع لقهر غير مسبوق، وما هو أخطر من عالم اليوم أن الأشرار باتوا يمتلكون أخطر الأسلحة وأشدها فتكاً لا في الأفراد بل في الأرض والشعوب.
تأملات شعرية:
لم يبق من تعاويذ النجاة
غير أن نمد البصر الكسير
والأيدي المكبّلات
نحو الله
عله سبحانه يحفظ كونه البديع
من شياطين البشر
لم يبق من تعاويذ الحياة
غير صرخة
تطلقها جموع الصامتين
في البوادي والحضر

تعليقات

المشاركات الشائعة